رسائلي إلى مجهول
هذه الليلة تعرفتُ على صديق رائع عبر النت, عبر تلك المسافات المجهولة المختصرة, أحببته من كل قلبي, وبدأنا نتحدث كثيراً عن كل شيء, لدرجة أنه كبرت بيننا صداقة, أكثر بكثير ولو كانت عن قرب, كانت أمي غنية تعمل في المحاماة, وكانت محبوبة ومشهورة, وكانت أيضاً تحاول دائماً أن تبعدني عن أي علاقة مع أصدقاء الدراسة, وليس فقط عبر النت, التي تعتبرها مضحكة للروح, فكيف لنا أن نحدث أشخاص لا نعرف عنهم شيء, ولا نعرف حتى إن كانوا كما يقولون, وهم بكل الأحوال غير صادقين بما يقولوه حتماً, فما فائدة هذه العلاقة, كنت أقول لها إنها مجرد صديقة, وأكذب عليها, كانت تريدني دائماً, أن أرافق صديقات تختارهن بنفسها, لا أنكر أنهن رائعات, لكن دائماً أشعر أن هناك شيء ما يبعدني عنهن, ويشدني لذلك الصديق المجهول, وإلى رسائلي إليه ورسائله إلي, والتي لا نهاية لها, أعطاني رقم هاتفه, سمعت صوته, وزاد حبي له, تمنيت لو أني أقابله, طلبتُ منه ذلك, قال سيقابلني ولا شك, في يومٍ ما, وذات ليلة انقطع اتصاله وكذلك رسائله, سهرتُ طول الليل أنتظر منه شيء, ولا شيء منه, ثم سمعتُ صوت إطلاق نار قادم من غرفة أمي, ذهبتُ هناك وجاء أمن المنزل الخاص, وجدوا أمي مقتولة في غرفتها, ذهبتُ لأنام حسبه يكون حلم وغداً سأصحو منه, لكن صحوت في غرفة بعيدة وصغيرة جداً, رائحتها تدعو للموت اختناقاً, ووجدتُ نفسي مربوطة على كرسي لا أعرف كيف يحمل وزني, ثم دخل رجلان وامرأة, وبدأت المرأة تسألني أسئلة لم أفهم شيء منها, وعندما لم أعرف ما أقول, بدأت الضربات المؤلمة والعذاب الذي لا يحتمل, كانت تضربني ليل ونهار, كي أقول لها ما لا أعرفه وأفهمه, كانت تردد أحياناً بعض من الكلمات, التي كنت أقولها مع صديقي المجهول, ظننت بادئ الأمر أنها مجرد مصادفة, لكن الكلمات والعبارات أخذت تتكرر هي نفسها, نسيت الأمر مباشرة وهي تعذبني بطريقة فظيعة ومؤلمة, حتى أنها كسرت أصابع يدي بكل برودة أعصاب, وكانت تتحدث بطريقة مميتة وتثير أعصابي بطريقة مستفزة ومؤلمة, وذات يوم جاءت عندي هي وبعض الرجال حاولت معي للمرة الأخيرة كما قالت, قلت لها وللمرة الاخيرة, لا أعرف شيء مما تريدوه, قفزت بغضت تضربني, وأمسكت أصابعي المكسورة وضغطت عليها, حتى كدتُ أموت من ألمي وأفقد وعي, دفعتها من شدة الألم, فوقعت أرضاً, أخذتُ مسدسها, فما عدتُ أحتمل ذلها, قتلتُ الرجال الذين حاولوا وبشكل غريب قتلها, وليس قتلي, قتلتهم ووجهتُ المسدس نحوها, قالتْ افعلي ذلك, فأبعدته عنها ووجهته نحو وجهي, قالت لا توقفي, حسناً سأفعل ما تريديه, لكن لا تفعلي ذلك, قلتُ لها اتركيني أرحل, قالت ارحلي وبسرعة, هيا ارحلي, خرجتُ وهي طلبتْ من الرجال في الخارج أن يتركوني أرحل, عدتُ بيت أمي, وبعد أيام شفيت جروحي الكثيرة, ما عدا أصابع يدي, فما عاد لها أي فائدة, كان الجبصين ما زال عليها, مع بعض الأسلاك المعدنية التي كانت تزيد الطين بلة, وألمي ألم, وبينما كنت نائمة, كانت قربي على سريري, هي نفسها التي حطمت ضميري, حاولتُ أن أنهض بغضب وخوف, فقالت اهدئي, قلتُ أرجوك لا تؤذينِ, فما عدت أحتمل أكثر من ذلك, قالت لن أؤذيك, بل عدت لأسألك, لما لمْ تقتلينِ, لمَ لمْ تفعلي ذلك, ولم أعرف ما أقوله, وهي تردد كان يجب أن تفعلي ذلك, كان يجب أن تقتليني, وهذه آخر جملة سمعتها منها, وبعدها فقدت وعي بضربة حنونة من يدها, وعندما صحوتُ كانت هي في المطبخ وقد أعدت العشاء, قالت لي اجلسي وكلي معي, وقولي لي ما رأيك بطبخي, ثم قالت بحزن منافق, لقد اكتفوا بطردي من العمل, أنا حرة الآن, وأعتذر عما فعلته لك, صدقيني كنتُ مجبرة, والأمر ليس بيدي, وكانت تتحدث بلهجة أعرفها تماماً, وكأنني أتحدث مع صديقي ذلك الصديق المجهول, عبر المسافات المجهولة, حسبي أني أتخيل ذلك, لكنه شاب تحدثت معه وسمعت صوته, لا يمكن أن تكون هي, ربما شوقي له يجعلني أتخيل ذلك, لا أعلم لم خبأتُ مفاتيح سيارتها كي تبقى معي, راحت تبحث عنهم بلا فائدة, ثم بقيت أو اضطرت لذلك, وصباحاً رحلت عندما وجدت المفتاح في علبة في الخزانة, لكنها عادت في المساء, سعدت كثيراً وكنت أعرف ذلك, لأني تركت لها رسالة في حقيبتها, كي تعود لتبقى عندي, جلستْ قربي على السرير, قلتُ لها لما لم تحضري أغراضك, قالت لمَ لمْ تكلميني بالأمر بدل الرسالة, على أي حال أغراضي لم تعد تنفع, لأنها احترقت كلها مع بيتي, الذي احترق معها, وهما احترقا معا, ولو لم أكن هنا البارحة, كنت احترقت معهم أيضاً, أليس ذلك شيء رائع, ثم نمنا قليلاً, قبل أن أسمع صوت سياراتهم قادمة إلينا, كنت مستعدة لذلك, ارتديت ملابسي, وعندما استيقظت طلبتُ منها أن تحضر نفسها للرحيل, قالت لا تغامري بذلك هم يريدوني, سلميني لهم, فإن هربت معي, سيقتلونك معي, قلتُ ليتهم يفعلون ذلك, فما عدت أحتمل الحياة بيد واحدة, قالت غداً ستشفى, قلتُ لا إنها لن تشفى, قالت آسفة, قلت لنرحل إذاً, لكن ألم تقولي لي أنهم اكتفوا بطردك, تابعنا طريقنا, واضطرت هي لقتل من استطاع الدخول للبيت, نزلنا الى الكراج وهربنا بسيارة أمي, التي أخذتُ معي صورتها, في البرواز الذي طالما أحبته, صعدنا وقالت أنا سأقود, قلت ومن غيرك سيفعل ذلك, رحلنا وأنا أنظر إلى الوراء, أودع منزلي ومنزل أمي الذي يحترق, قالت منزل من هذا, قلتُ منزل امي, قالت آسفة, قلتُ لا بأس فما عادت بحاجة له بعد اليوم, توقفنا في مكان بعيد لنشتري بعض الأشياء, وعندما عدتُ لأركب السيارة, وقع مني البرواز وانكسر, وجدتُ خلف الصورة ورقة صغيرة, ومعها صورة أخرى, لم أفهم ما جاء بالورقة, لكن فهمت أنها كانت تستغلني من أجل الوصول إلى شيءٍ ما, قالت لي ما بك هيا اركبي لنرحل, نزلتْ وتوجهت نحوي, وجدتْ البرواز على الأرض, فأيقنتْ أني كشفتُ الأمر, أخرجتُ المسدس الذي كان معي, ووجهته نحوها, طلبتُ منها أن تبتعد عني, وتستلقي على الأرض وتضع يديها فوق رأسها, نزلتُ ببطء ووضعتُ الصور والورقة في السيارة, ووجدتُ المفتاح فيها, ركبت السيارة وانطلقت وحدي, قالت لي انتظري لأشرح لك, وبالطبع لم أستمع لها, وبعد قليل رن الهاتف, كان في حقيبتها, لا هذا غير معقول, إنه رقم ذلك الصديق, إنه هو نفسه, أجبتُ فكانت هي, توقفتُ ونظرتُ إلى الخلف عبر زجاج السيارة, كانت تقف هناك, قالت إني آسفة, قلت لها اعتذارك هذه المرة غير مقبول, أغلقت في وجهها, أدرتُ السيارة وعدتُ نحوها وأنا أقود بسرعة, ورميتُ الهاتف قربها ورحلتُ, كنتُ أسير بسرعة جنونية ثم توقفتُ فجأة, ولم ألحظ سيارة الشرطة, التي رأت ما حدث وتقدمت نحوي, خبأتُ كل شيء, نزلتْ شرطية منها وجاءت إلي, سألتني هل أنت بخير, قلت أجل كل شيء بخير, لكنها لم تصدق على ما يبدو, طلبتْ مني أوراقي والنزول من السيارة, نظرتُ إلى سيارتها كان زميلها يكتب رقم السيارة, سألتني لمن السيارة, قلت لأمي ويجب أن أسرع لأنها بانتظاري, وسوف تغضب إن تأخرت عليها, قالت لا بأس اذهبي, قلت شكراً, عادت لسيارتها, سألها زميلها ما الأمر, قالت إنها جميلة, ثم سألتْ عن رقم السيارة, فكان الجواب مفاجأة لها, مفاجأة قاتلة, فأمي صاحبة السيارة ماتت وليست بانتظاري, فقالتْ لزميلها إذاً هذه ابنتها, وهي ما زالتْ تقول في نفسها, ومن أين لي هذا الجمال, لحقتْ بي, كنت أنا متوجهة لمكان ما, المكان الذي كان مكتوب في الورقة, لم أعرف أين ومن أين أمضي, وماذا سأواجه لكن مع ذلك, تابعتُ طريقي لأعرف ما نهاية هذه القصة, قصة ذلك الصديق المجهول الذي أحببته جداً, الذي كان هي, كما قالت أمي, ليس كل شيء يقولوه صحيح وصادق, لكن لماذا خدعتني, لما لم تخبرني أنها صديقة, كنت سأحبها أكثر, وصلتُ أخيراً, دخلتُ بسرعة حتى كدتُ أن أقتل على يدها, عندما قالت لي, لا تحاولي لا يمكنك قتلي, لكن قتلها جاء على يد الشرطية, التي أنقذت حياتي, وفي صمت رهيب قلتُ لنفسي, هذه هي الصداقة التي كنتُ أنتظرها عبر المجهول, خسرتُ حياتي ويدي, وأصبحتُ لا أثق بأي إنسان, ولا حتى بنفسي, متى ستتعلمين ألا تتكلمي أبداً مع الغرباء, ولو كانوا أصدقائك, أجل تعلمي لكن ليس بعد فوات الأوان, كانوا يريدون قتل أمي والسبب جزء من عملها, خدعوني للوصول لها, وصديقي أقصد صديقتي المجهولة, كانت واحدة منهم والآن, جلستُ قربها أمسكتُ يدها, التي كانت ترتجف حتى قلبها, ووضعتُ في يدي دمائها, قلتُ لها لن يعرف أحد السر الذي كان بيني وبينك, لقد أحببتك بصدق, قالت وأنا أحببتك كثيراً, لكن هناك أمور لا تتفق مع بعضها, وخارجة عن إرادتنا, وعكس ما نحبه ونتمناه, قالتْ من جديد أنا آسفة, وهذه آخر آسفة سأقولها لك, فضحكت من شدة ألمي عليها, قلت لها سأشتاق لرسائلك التي لن تعد مجهولة بعد اليوم, قالت ستجديها في قلبك دائماً, ودعتها وعدت البيت بيتي الجديد, أصبحتُ والشرطية أصدقاء, صديقة حقيقية لم تكن أبداً داخل الحسابات, كانت تطمأن علي دائماً, وكانت أمي لتسعد بها كثيراً, وعاد الهدوء لحياتي, كما كنت أظن, وتلك الليلة كنت على حافة النوم, عندما جاءتني رسالة جوال تقول, اشتقت لك, حدثيني عبر النت, قلت لا هذا غير معقول, لكن كيف, إنه نفس الرقم والايميل, وبعدها رحت في نوم عميق, وبعد اتصالها المخيف, جاءت ونامت قربي, قالت لقد اشتقت لك, وضعتْ يدها على يدي وقالت إني آسفة, لكن كيف لك أن تتحملي كل ذلك العذاب كي تنقذي أمك, يا لك من فتاة, بل من صديقة مجهولة لكن رائعة ....